بقيع الغرقد
أشرقت المدينةُ المنوّرة وتنوّر وأزهَرَ واستقبَل البيتُ المحمّديّ العلويّ الطاهر بكلّ فرحٍ وسرور وغبطةٍ وحبور، مولدَ سبط النبيّ وريحانته الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)، وذلك في السنة الثالثة للهجرة ليلة الثلاثاء ليلة النصف من شهر رمضان المبارك.
وعن الإمام علي بن الحسين(عليه السّلام) أنّه قال: (لمّا ولدت فاطمةُ الحسنَ(عليه السّلام) قالت لعليّ(عليه السّلام): سمِّهِ. فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله. فجاء رسولُ الله(صلّى الله عليه وآله) فأُخرج إليه في خرقةٍ صفراء، فقال: ألم أنهَكُم أن تلفّوه في [خرقة] صفراء. ثمّ رمى بها وأخذ خرقةً بيضاء فلفّه فيها، ثمّ قال لعليّ(عليه السّلام): هل سمّيته؟ فقال: ما كنتُ لأسبقك باسمه؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): وما كنت لأسبق باسمه ربّي عزّ وجلّ.
فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرئيل أنّه قد وُلد لمحمّدٍ ابنٌ، فاهبط وأقرِئْه السلام وهنّئْه، وقل له: إنّ علياً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمِّهِ باسم ابن هارون. فهبط جبرئيل(عليه السّلام) فهنّأه من الله عزّ وجلّ، ثمّ قال: إنّ الله عزّ وجلّ يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون.
قال: وما كان اسمُه؟ قال: شبّر. قال: لساني عربيّ. قال: سمّه الحسن، فسمّاه الحسن)...
نشأ الإمام الحسن(عليه السلام) في أحضان جدّه رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلم) وتغذّى من معين رسالته وأخلاقه ويسره وسماحته، وظلّ معه في رعايته حيث اختار الله لنبيّه دار خلده، بعد أن أورَثَه هديه وأدبه وهيبته وسؤدده، وأهّله للإمامة التي كانت تنتظره بعد أبيه أمير المؤمنين، وقد صرَّح بها جدُّه في أكثر من مناسبة، ومنها حينما قال: (الحسنُ والحسين إمامان قاما أو قعدا، اللهمّ إنّي أحبّهما فأحبَّ من أحبَّهما).
اجتمع في هذا الإمام العظيم شرفُ النبوّة والإمامة، بالإضافة إلى شرف الحسب والنسب، ووجد المسلمون فيه ما وجدوه في جدّه وأبيه حتّى أنّه كان يذكّرهم بهما، فأحبّوه وعظَّموه، وكان مرجعهم الأوحد بعد أبيه فيما يعترضهم من مشاكل الحياة وما يستصعب عليهم من أُمور الدين، لا سيّما بعد أن دخلت الأمّةُ الإسلاميّة حياةً حافلةً بالأحداث المريرة التي لم يعرفوا لها نظيراً من قبل.
وروى الصدوقُ في الأمالي بإسناده عن الصادق عن أبيه عن جدّه (عليه السلام) أنّ الحسن بن علي بن أبي طالب كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ حجّ ماشياً وربّما مشى حافياً، ولا يمرّ في شيءٍ من أحواله إلّا ذكر الله سبحانه، وكان أصدق الناس لهجةً وأفصحهم منطِقاً، وكان إذا بلغ بابَ المسجد رفع رأسه وهو يقول: إلهي ضيفُك ببابِك.. يا مُحسِنُ قد أتاك المُسِيء فتجاوَزْ عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم.