لم يكتف أعداء أهل البيت بمحاولتهم إطفاء نور الله بقتل أنوار الله وخلفاء رسوله صلى الله عليه وآله أو بعقوبة من يتحدث عنه بحديث او بقتل من يتحدث بفضيلة من فضائل أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام او بتحريفهم لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله أو بهدم قبر الإمام الحسين (عليه السلام) عدة مرات، فبعد ان رأوا هذا النور يزداد توهجا بالرغم مما بذلوا من جهد للقضاء عليه اتخذوا طريقة أخرى للقضاء على هذا النور بتهديمهم لقبور بُناة الإسلام وأئمة الهداية الموجودة في البقيع، وانتهاك حرمتها وقدسيتها وها هم اليوم يتسللون الى العراق لينفذوا ما فشلوا به سابقا من تهديم قبور الائمة فيه لكنهم لم يفلحوا بذلك .
ولم تكن ظلامة الأئمة عليهم السلام المدفونين في البقيع في حياتهم فقط، وإنما مستمرة الى وقتنا الحاضر، من خلال هدم قبورهم وحرمان شيعتهم من زيارتهم وهو ظلم واضح جلي، فيجب علينا ان نطالب ببناء قبور البقيع، بجميع الوسائل السلمية، ومنها المظاهرات والندوات.
بدأت الحادثة الفاجعة حينما اتفق كل من محمد بن مسعود أمير الدرعية ومحمد بن عبد الوهاب (مؤسس مذهب الوهابية الذي خطط له البريطانيون) في عام 1185للهجرة على العمل معا على توسعة بلادهم ونشر الوهابية باحتلال المدن المجاورة شريطة ان تكون القيادة السياسية لمحمد بن سعود والدينية لمحمد بن عبد الوهاب واحتلوا بعض المناطق المجاورة لهم وتوجهوا الى العراق ودخلوا حدود العراق وبعد مناوشات بين جيش ال سعود وأهالي المناطق الريفية العراقية اشرف الجيش على مدينة كربلاء المقدسة فهدموا القبة الموجودة على قبر الحسين عليه السلام وقيل أجزاء من بناء الضريح المقدس ونهبوا المجوهرات الثمينة وحرقوا الكتب والمصاحف وبعدها توجهوا الى النجف الاشرف لهدم ضريح الامام علي عليه السلام ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك فرجعوا الى الدرعية وتوجهوا الى احتلال المناطق الحجازية فدخلوا مكة المكرمة وتوجهوا الى مقبرة المعلى وقاموا بتهديم أثارها يقول صاحب خلاصة الكلام ( فلما أصبح الصباح الا وهم سارحون بالمساحي والفؤوس لهدم القبب فبادر الوهابيون لهدم المساجد ومآثر الصالحين فهدموا ما في مقبرة المعلى من القبب ثم هدموا قبة مولد النبي صلى الله عليه وآله ( وهو اثأر للبيت الذي ولد به نبي الرحمة ) وبالغوا في شتم القبور التي هدموها وفي سنة (1220 هـ 1805 م) دخل الوهابيون المدينة المنورة بعد حصار طال سنة ونصف ويروي صاحب لمع الشهاب يقول(فلما قرب الى المدينة أرسل الى أهلها بدخوله فأبوا وامتنعوا من ذلك فحمل عليهم مرارا حتى دخلها فقتل منها بعض اهلها حيث سمى أهلها بالناكثين ويوم الحادي عشر جاء هو وبعض أولاده فطلب الخدم السودان الذين يخدمون حرم النبي فقال أريد منكم الدلالة على خزائن النبي فقالوا لا نوليك عليها ولا نسلطك فأمر بضربهم وحبسهم حتى اضطروا الى الإجابة فدلوه الى بعض من ذلك فاخذ كل ما فيها من الأموال وفيها تاج كسرى ( انوشروان ) الذي حصل عليه المسلمون عند فتح المدائن وفيها سيف هارون الرشيد وعقد كان لزبيدة واخذ القناديل الذهبية وجواهر عديدة وخرج الى البقيع فأمر بتهديم كل قبة كانت هناك ومن ضمنها قبة فاطمة الزهراء عليها السلام والظاهر من قبة الزهراء ليس لقبرها لان قبرها مجهول, ولكن مقام الزهراء الذي بناه امير المؤمنين عليه السلام لها بعد وفاة ابيها وسماه بيت الاحزان وقيل ان القبة تسمى قبة الحزن وقبة الامام الحسن عليه السلام والظاهر قبة الامام الحسن عليه السلام كانت اكبر واعلي القبب الموجودة في البقيع بحسب وصف الرحالة ابن جبرين (قبة مرتفعة في الهواء يقصد بها قبة الامام الحسن عليه السلام ) وقال ابن بطوطة (( ولقبر الحسن بن علي قبة ذاهبة في الهواء بديعة الإحكام . وقبه لعلي بن الحسين عليه السلام وقبة لمحمد الباقر وقبه لجعفر الصادق عليه السلام) وقبة لعثمان بن مضعون وتركوا حطام التهديم على تلك القبور المقدسة يصفها الرحالة عبدالله بور خارت يقول (( فليس فيه متر واحد حسن البناء ... انما هي أكوام من تراب أحيطت بأحجار غير ثابتة)).
وبقيت على هذا الحال ما دام ال سعود في الحكم حتى سقطت دولة ال سعود على يد دولة العثمانيين وعندما استعادت الدولة العثمانية المدينة المنورة أعادت عليها عمارتها وقامت ببناء الآثار الإسلامية التي هدمها الوهابيون وقد أعادوا بناء الكثير من القباب على صورة من الفن تتفق مع ذوق العصر وساعدهم في ذلك العلماء بالإضافة الى التبرعات السخية والأضرحة الجاهزة التي كانت تأتي من كافة إنحاء العالم الإسلامي . لكن هذا البناء لم يدم طويلا سوى مئة عام تقريبا إذ قام ابن سعود وبالتعاون مع بريطانيا بالقضاء على الدولة العثمانية والسيطرة عليها وفي الخامس عشر من شهر جمادي الأولى 1344هـ -1925م دخل المدينة المنورة وقام بمجزرة دموية قتل فيها النساء والرجال والأطفال وعدد كبير من رجال الدين وفي الثامن من شهر شوال عام (1344هـ) توجهوا مرةً أخرى الى قبور البقيع فهدموا قبابها والأضرحة والمساجد بصورة كاملة وبالوقت نفسه توجهوا الى قبر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله محاولين هدمه لولا ردود الأفعال التي حصلت من خلال المظاهرات والاستنكارات في الدول الإسلامية والعربية .
فقبور البقيع تعرضت للهدم مرتين الأولى 1220 للهجرة والثانية 1344 هجرية وبقيت الى يومنا هذا .
يقينا ان لم تكن هناك ادلة او مبررات شرعية على هذا العمل تكون الأسباب والدوافع سياسية وعدائية .... ولو فتشنا في جميع الأديان السماوية لم نجد دليلا او تبريرا لهدم الآثار التي تدل على حضارة ذلك الدين او هدم قبور عظمائهم بل على العكس من ذلك فان الأديان السماوية تحترم آثارها وتقدس عظمائها.
قيل قدم بن رأس الجالوت مع مصعب ابن الزبير الى المدينة من جانبي البقيع ولما رأى مقبرة البقيع قال إنها لهي (كفته) لا أطائها، فقال له مصعب: وما هي قال مقبرة وصفها الله في كتابه (التوراة) فتركها ولم يدخل فيها إجلالا.
ويروى ان رأس الإمام الحسين عليه السلام عند يزيد ويزيد عنده عود من الخيزران وصار يضرب ثنايا الإمام بذلك العود فالتفت سفير الروم ( رسول ملك الروم ) قائلا ليزيد هذا رأس من ؟ قال يزيد رأس الحسين بن علي، قال أليس هذا ابن بنت نبيكم؟! قال بلى! فقال الرومي اف لك يا يزيد نحن معاشر النصارى عندنا في بعض الجزائر اثر حافر حمار عيسى ابن مريم ونحن نحج إليه في كل عام من الأقطار وانتم تقتلون ابن بنت نبيكم، فاشهد انكم على باطل، فغضب يزيد وأمر بقتل الرومي فتوجه الرومي الى راس الإمام الحسين عليه السلام واسلم قبل ان يقتل .
نعم حافر حمار عيسى، يعني اثرٌ في الارض لقدم الحمار الذي يركبه عيسى، يحجون اليه ويقدسونه، هذا هو احترام الاديان السماوية لآثارها، ومدعوا الإسلام يهدمون قبور سادات الإسلام والبيت الذي ولد فيه نبي الاسلام صلى الله عليه وآله بل تجرؤا على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله، وابن باز لا يزور قبر الرسول قائلا: مادام هذا الصنم موجودا (يعني القبة )!! ولا عجب من هذا القول لان أسيادهم تجرؤ على شخص الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله بتكسيرهم رباعيته في معركة احد وبقولهم (ان النبي ليهجر ).
وهناك أسباب كثيرة جعلتهم يقومون بالجريمة النكراء لتهديم القبور المطهرة لأئمة البقيع نذكر أهمها :-
1- القضاء على الاسلام .
لم يكن هذا العمل إلا لأجل القضاء على الإسلام، فلذلك عمدوا على تدمير كل اثر يدل على حضارة الإسلام، وهدموا ذلك الاثر تمهيدا للقضاء على المؤثر، لأنك ان قضيت على مدلول الشيء تكون مهدت للقضاء على الشيء نفسه، وها هم يهدمون آثار الإسلام وقبور عظماء المسلمين لأنها دالة على وجود الإسلام، ولو تسائلنا من المستفيد من القضاء على الاسلام؟ لوجدنا حقيقة واضحة وهم اليهود، فلهم دور كبير توجيهي بهدم آثار الإسلام، فلذلك وكما قيل، أنهم توجهوا الى الاثر الباقي من باب خيبر فهشموها قطعةً قطعة!!! .
2- العداء لأهل البيت (عليهم السلام)
وهذا واضح جلي لأنه متوارث عندهم، مع العلم ان الذي أفتى بهدم القبور اعتمد بفتواه على ابن تيمية وابن تيمية هذا يقول (ان علي بن أبي طالب لم يصح إسلامه لأنه اسلم صبيا ) !!!.
3- القضاء على ذكر أهل البيت (عليهم السلام)
من الامور التي تكشف عن إنساناً وماله من أهمية عند الله أو في المجتمع، هو تقديس الناس واحترامهم له بسبب صلاح سيرته وتقواه، وخير دليل على هذا، القصة التي حصلت مع الإمام السجاد عليه السلام كما جاء في الرواية إن هشاماً بن عبد الملك عندما توجه بخدمه وحراسه لحج بيت الله الحرام اراد الوصول الى الحجر الاسود فلم يستطع بسبب زخم الحجاج، فجلس في مكان حتى يخف الزخم، واذا بالإمام السجاد يتوجه نحو الحجر الاسود فانفرج له الحجاج سماطين واخذوا يتبركون به حتى وصل الحجر الاسود فلما راه احد الجالسين قال لهشام من هذا فأنكره!! (قال لا اعرف!) فوقف الفرزدق معرفا الإمام بقصيدته الرائعة، التي جاء منها:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم
ومن جملة الطرق التي يتخذها الناس لتقديس عظمائهم هي تخليد آثارهم وبناء قبورهم، فوجود قبور العظماء أو الآثار دلالة على مكانة اصحاب تلك القبور، وبما ان مكة والمدينة تأتيها الحجاج من كل بقاع العالم وقبور البقيع مشيدة، فإنها ستثير التساؤل عن اصحاب تلك القباب، وتلفت النظر إليهم، وكيف حصلوا على هذه المكانة، مما يؤدي لإنحياز ذوي العقول إلى مذهبهم، لأن الجواب سيأتي كجواب الفرزدق لهشام( هؤلاء خير الناس كلهم).
4- الحسد
لا يتحمل الحاسد ان يرى النعمة بادية على أخيه المؤمن أو المسلم بل يسعى وبكل الطرق الى ازالة هذه النعمة، فلذلك أمر الله عز وجل بالاستعاذة منه (ومن شر حاسد اذا حسد)الفلق/5 وبعض آيات القرآن تحدثت عن جرائم القتل التي كان الباعث لها الحسد، كحسد قابيل لأخيه هابيل، وحسد اخوة يوسف ليوسف، ومن قتل اهل البيت عليهم السلام لم يكن الا حسدا بهم والإمام الباقر عليه السلام يقول في تفسير الآية ( ام يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) النساء 54 يجيب (نحن المحسودين)، نعم وهؤلاء هدموا قبور الأئمة حسدا لأنهم وجدو أهل البيت عليهم السلام وذريتهم امتازوا في الدنيا بتلك الأضرحة والقباب المشيرة والدالة على شرفهم ومكانتهم عند الله عز وجل في الدنيا والآخرة، في الوقت الذي ذهب فيه الحاسدون وأئمتهم الى مزبلة التاريخ.
لماذا هدم الوهابيون قبور البقيع الغرقد؟
يعتقد الوهابيون على خلاف جمهور المسلمين أن زيارة وتعظيم قبور الأنبياء وأئمة أهل البيت عبادة لأصحاب هذه القبور وشرك بالله يستحق معظمها القتل وإهدار الدم!.
ولم يتحفظ الوهابيون في تبيان آرائهم، بل شرعوا بتطبيقها على الجمهور الأعظم من المسلمين بقوة الحديد والنار, فكانت المجازر التي لم تسلم منها بقعة في العالم الإسلامي طالتها أيديهم، من العراق والشام وحتى البحر العربي جنوبا والأحمر والخليج غربا وشرقا.
ولقد انصب الحقد الوهابي في كل مكان سيطروا عليه، على هدم قبور الصحابة وخيرة التابعين وأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) الذين طهرهم الله من الرجس تطهيرا..
وكانت المدينتان المقدستان (مكة والمدينة) ولكثرة ما بهما من آثار دينية، من أكثر المدن تعرضا لهذه المحنة العصيبة، التي أدمت قلوب المسلمين وقطعتهم عن تراثهم وماضيهم التليد. وكان من ذلك هدم البقيع الغرقد بما فيه من قباب طاهرة لذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته وخيرة أصحابه وزوجاته وكبار شخصيات المسلمين.
الوهابيون قد قدموا إلى تهديم قبور البقيع مرتين في التاريخ المشؤوم:
الوهابيون وكما هو معروف قد ورثوا الحقد الدفين ضد الحضارة الإسلامية من أسلافهم الطغاة والخوارج الجهلاء فكانوا المثال الصادق للجهل والظلم والفساد فقاموا بتهديم قبور بقيع الغرقد مرتين:
الأولى: عام 1220هـ
كانت الجريمة التي لا تنسى، عند قيام الدولة السعودية الأولى حيث قام آل سعود بأول هدم للبقيع وذلك عام 1220 هـ وعندما سقطت الدولة على يد العثمانيين أعاد المسلمون بناءها على أحسن هيئة من تبرعات المسلمين، فبنيت القبب والمساجد بشكل فني رائع حيث عادت هذه القبور المقدسة محط رحال المؤمنين بعد أن ولى خط الوهابيين لحين من الوقت.
الثانية: عام 1344هـ
ثم عاود الوهابيون هجومهم على المدينة المنورة مرة أخرى في عام 1344هـ وذلك بعد قيام دولتهم الثالثة وقاموا بتهديم المشاهد المقدسة للائمة الأطهار عليهم السلام وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله بعد تعريضها للإهانة والتحقير بفتوى من وعّاظهم.
فاصبح البقيع وذلك المزار المهيب قاعا صفصفا لا تكاد تعرف بوجود قبر فضلا عن أن تعرف صاحبه.
كيف تمكن الوهابيون من تحقيق مأربهم في هدم البقيع الغرقد؟
بعدما استولى آل سعود على مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة وضواحيهما عام 1344 هـ ، بدؤوا يفكّرون بوسيلة ودليل لهدم المراقد المقدّسة في البقيع، ومحو آثار أهل البيت ( عليهم السلام ) والصحابة .
وخوفاً من غضب المسلمين في الحجاز، وفي عامّة البلاد الإسلامية، وتبريراً لعملهم الإجرامي المُضمر في بواطنهم الفاسدة; استفتوا علماء المدينة المنوّرة حول حُرمة البناء على القبور .
فكتبوا استفتاءً ذهب به قاضي قضاة الوهابيين سليمان بن بليهد مستفتياً علماء المدينة ، فاجتمع مع العلماء أوّلاً وتباحث معهم ، وتحت التهديد والترهيب وقع العلماء على جواب نُوّه عنه في الاستفتاء بحُرمة البناء على القبور، تأييداً لرأي الجماعة التي كتبت الاستفتاء .
واستناداً لهذا الجواب اعتبرت الحكومة السعودية ذلك مبرّراً ومشروعاً لهدم قبور الصحابة والتابعين ـ وهي في الحقيقة إهانة لهم ولآل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ـ فتسارعت قوى الشرك والوهابيّة إلى هدم قبور آل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في الثامن من شوّال من نفس السنة ـ أي عام 1344 ـ ـ فهدّموا قبور الأئمة الأطهار والصحابة في البقيع ، وسوّوها بالأرض ، وشوّهوا محاسنها ، وتركوها معرضاً لوطئ الأقدام، ودوس الكلاب والدواب .
ونهبت كل ما كان في ذلك الحرم المقدّس، من فرش وهدايا، وآثار قيّمة وغيرها، وحَوّلت ذلك المزار المقدّس إلى أرضٍ موحشة مقفرة ..
أول ما بدؤوا به ؟
وكانوا قد بدأوا في تهديم المشاهد والقبور والآثار الإسلامية في مكة والمدينة وغيرهما.. ففي مكة دُمرت مقبرة المعلى، والبيت الذي ولد فيه الرسول (صلى الله عليه وآله)"يانبي الرحمة",,,,,,,,,لعنة الله على الظالمين"(2).
أما ما يسمى بنكبة البقيع حيث لم يُبق الوهابيون حجراً على حجر، وهدموا المسجد المقام على قبر حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء ومسجد الزهراء (عليه السلام) واستولوا على أملاك وخزائن حرم النبي (صلى الله عليه وآله)..
وهُدمت قبور أهل البيت النبوي (عليه السلام).
والمزارات والأماكن المقدسة لمطلق المسلمين سنة وشيعة، فقد وصفها عون بن هاشم، حين هجم الوهابيون على الطائف بقوله:
(رأيت الدم فيها يجري كالنهر بين النخيل، وبقيت سنتين عندما أرى الماء الجارية أظنها والله حمراء).
وكان ممن قتل في هذه الهجمة التاريخية المشهورة التي تدل على همجيتها على البعد البعيد للوهابية عن الإسلام ووجههم المزري والمشوه للإسلام ـ الشيخ الزواوي مفتي الشافعية وجماعة من بني شيبة (سدنة الكعبة)...
هل أقر القرآن الكريم أمر البناء على القبور أم لا؟!
وليت شعري أين كان علماء المدينة المنوّرة عن منع البناء على القبور؟ ووجوب هدمه قبل هذا التاريخ ؟! ولماذا كانوا ساكتين عن البناء طيلة هذه القرون ؟! من صدر الإسلام ، وما قبل الإسلام ، وإلى يومنا هذا !.
ألم تكن قبور الشهداء والصحابة مبنيّ عليها ؟ ألم تكن هذه الأماكن مزارات تاريخية موثّقة لأصحابها, مثل مكان : مولد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ومولد فاطمة ( عليها السلام ) ، وقبر حوّاء أُم البشر والقبّة التي عليه ، أين قبر حوّاء اليوم ؟ ألم يكن وجوده تحفة نادرة ؟ يدل على موضع موت أول امرأة في البشرية ؟ أين مسجد حمزة في المدينة ؟ ومزاره الذي كان ؟ أين ... ؟
وأين ... .
لو تتبعنا القرآن الكريم ـ كمسلمين ـ لرأينا أنّ القرآن الكريم يعظّم المؤمنين ويكرّمهم بالبناء على قبورهم ـ حيث كان هذا الأمر شائعاً بين الأمم التي سبقت ظهور الإسلام ـ فيحدثنا القرآن الكريم عن أهل الكهف حينما اكتشف أمرهم ـ بعد ثلاثمائة وتسع سنين ـ بعد انتشار التوحيد وتغلبه على الكفر .
ومع ذلك نرى انقسام الناس إلى قسمين : قسم يقول : ( ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ) تخليداً لذكراهم ـ وهؤلاء هم الكافرون ـ بينما نرى المؤمنين ـ التي انتصرت إرادتهم فيما بعد ـ يدعون إلى بناء المسجد على الكهف ، كي يكون مركزاً لعبادة الله تعالى ، بجوار قبور أولئك الذين رفضوا عبادة غير الله .
فلو كان بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها علامة على الشرك ، فلماذا صدر هذا الاقتراح من المؤمنين ؟! ولماذا ذكر القرآن اقتراحهم دون نقد أو ردّ ؟! أليس ذلك دليلاً على الجواز ، ( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ) سورة الكهف آيه 21.
فهذا تقرير من القرآن الكريم على صحّة هذا الاقتراح ـ بناء المسجد ـ ومن الثابت أنّ تقرير القرآن حجّة شرعية.
هذه أسماء القباب الشريفة التي هدموها في الثامن من شوال سنة ( 1344 ) في البقيع خارجه وداخله :
1 : قبة أهل البيت عليهم السلام المحتوية على ضريح سيدة النساء فاطمة الزهراء - على قول - ومراقد الأئمة الأربعة الحسن السبط ، وزين العابدين ، ومحمد الباقر ، وابنه جعفر بن محمد الصادق عليهم الصلاة والسلام ، وقبر العباس ابن عبد المطلب عم النبي ، وبعد هدم هذه القباب درست الضرائح .
2 : قبة سيدنا إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
3 : قبة أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
4 : قبة عمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
5 : قبة حليمة السعدية مرضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
6 : قبة سيدنا إسماعيل ابن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام .
7 : قبة أبي سعيد الخدري .
8 : قبة فاطمة بنت أسد .
9 : قبة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
10 : قبة سيدنا حمزة خارج المدينة .
11 : قبة علي العريضي ابن الإمام جعفر بن محمد خارج المدينة .
12 : قبة زكي الدين خارج المدينة .
13 : قبة مالك أبي سعد من شهداء أحد داخل المدينة
14 : موضع الثنايا خارج المدينة .
15 : مصرع سيدنا عقيل بن أبي طالب عليه السلام
16 : بيت الأحزان لفاطمة الزهراء
وهذه أسماء المساجد :
مسجد الكوثر ، ومسجد الجن ، ومسجد أبي القبيس ، ومسجد جبل النور ، ومسجد الكبش . . . إلى ما شاء الله . كهدمهم من المآثر والمقامات وسائر الدور والمزارات المحترمة .
هدموا قباب عبد المطلب جد النبي " ص " وأبي طالب عمه وخديجة أم المؤمنين وخربوا مولد النبي " ص " ومولد فاطمة الزهراء " ع " في جدة : هدموا قبة حواء وخربوا قبرها كما خربوا قبور من ذكر أيضا وهدموا جميع ما بمكة ونواحيها والطائف ونواحيها وجدة ونواحيها من القباب والمزارات والأمكنة التي يتبرك بها.
محطة للمتأملين
أن خفاء تاريخ البقيع ,والجهل بحاله للناشئة والشباب في هذه العصور المتأخرة , ناشئ من قلة المصادر أولا , والتعتيم الإعلامي السعودي والغربي عليه ، بحيث يقلل من أهميته , أو تزول أهميته بالمرة يُحشر من هذه المقبرة سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب.. في فضل البقيع :
وروى الطبراني في الكبير ومحمد بن سنجر في مسنده وابن شبّة في أخبار المدينة عن أم قيس بنت محصن، وهي أخت عُكاشة ، أنها خرجت مع النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ إلى البقيع، فقال:
((يُحشر من هذه المقبرة سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، وكأن وجوههم القمر ليلة البدر)). فقام رجل فقال: يا رسول الله، وأنا. فقال: ((وأنت))، فقام آخر فقال: يا رسول الله، وأنا. قال: ((سبقك بها عُكَّاشة))، قال: قلت لها: لِمَ لم يقل للآخر ؟ قالت: أراه كان منافق.
وروى ابن شبّة عن أبي موهبة مولى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ قال: أهبَّني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ من جوف الليل، فقال: ((إني أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي))، فانطلقت
معه، فلما وقف بين أظهرهم قال:
((السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهنَ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلتِ الفتنُ كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولى)) ثم استغفر لهم طويلاً.
ثم قال: ((يا أبا موهبة، إني قد أوتيتُ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي ثم الجنة))، قلت: بأبي وأمي خذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، قال: ((لا والله يا أبا موهبة، لقد اخترت لقاء ربي ثم الجنة)).
ثم رجع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ فبدأ به وجعه الذي قبض فيه.