وكُنّيت بأمّ البنين لأنّ لها أربعة أبناءٍ كلّهم استُشهِدوا في كربلاء مع الحسين سيّد الشهداء(عليه السلام)، وهي من قبيلة بني كلاب من العرب الأقحاح من بني عامر بن صعصعة الشهيرة بالشجاعة والفروسيّة، تزوّجت من أمير المؤمنين علي(عليه السلام) بعد السنة الرابعة والعشرين من الهجرة الشريفة.
ولما رجعن نساءُ أهل البيت(عليهم السلام) من كربلاء إلى المدينة أقمن العزاء في بيتها، ولم تكن قد حضرت كربلاء لكنّ حزنها لم ينقطع على الحسين وإخوته(عليهم السلام)، وكانت تذهب كلّ يوم إلى البقيع ترثيهم بتفجّع حتّى أنّ مروان على قساوة قلبه كان يبكي لرثائها، وكانت تخاطب النساء اللاتي ينادينها أمّ البنين: (لا تدعونّي ويكِ أمّ البنين ...)، ولم يهدأ أنينُها حتّى فارقت الدنيا بلوعة.
عن أبي جعفر (عليه السلام): «... وكانت أمّ البنين أمّ هؤلاء الأربعة الإخوة القتلى، تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبةً وأحرقها، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها، فكان مروان يجيء فيمَنْ يجيء لذلك، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي».
ويُستفاد من إيمانها أنّ بشر بن حذلم بعد وروده المدينة نعى إليها الأربعة من أولادها، فقالت له: قطّعت نياط قلبي.. أولادي ومَنْ تحت الخضراء كلّهم فداءٌ لأبي عبدالله الحسين(عليه السلام).
وبعد عمرٍ طاهرٍ قضته أمُّ البنين(عليها السلام) بين عبادةٍ لله جلّ وعلا وأحزانٍ طويلةٍ على فقد أولياء الله سبحانه، وفجائع مذهلة بشهادة أربعة أولادٍ لها في ساعةٍ واحدة مع حبيب الله الإمام الحسين(عليه السلام)، وكذلك بعد شهادة زوجها أمير المؤمنين(عليه السلام) في محرابه، بعد ذلك كلّه وخدمتها لسيّد الأوصياء وولدَيْه الإمامَيْن سبطَيْ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) وسيّدي شباب أهل الجنّة، وخدمتها لعقيلة بني هاشم زينب الكبرى(صلوات الله عليها)، أقبل الأجَلُ الذي لابُدَّ منه، وحان موعدُ الحِمام النازل على ابن آدم.
فكانتْ وفاتُها المؤلمة في الثالث عشر مِن جمادى الآخرة سنة (64) من الهجرة النبويّة الشريفة كما ذكر البيرجنديّ في كتابه (وقائع الأيّام)، والسيد محمد باقر القره باغي في كتابه (كنز المطالب) وغيرهما، حيث جاء في (الاختيارات) عن الأعمش قال: «دخلتُ على الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين(عليه السّلام) في الثالث عشر من جمادى الآخرة، وكان يوم جمعة، فدخل الفضلُ بنُ العبّاس وهو باكٍ حزين، يقول له: لقد ماتتْ جَدّتي أمُّ البنين».
فسلامٌ على تلك المرأة النجيبة الطاهرة، الوفيّة المخلصة، التي واست الزهراء(عليها السّلام) في فاجعتها بالحسين(عليه السّلام)، ونابتْ عنها في إقامة المآتم عليه، فهنيئاً لها ولكلّ من اقتدتْ بها من المؤمنات الصالحات، والسلام عليها يوم وُلِدت ويوم ماتت ويوم تُبعَث حيّةً بإذن ربّها.