بقيع الغرقد

فُجِع أهلُ بيت النبوّة ومهبط الوحي في مثل هذا اليوم السابع من صفر سنة (50هـ) بمصيبةٍ لا يقلّ وقعُها عن مصابهم بشهادة الرسول وابنته وأمير المؤمنين(عليهم الصلاة السلام) وهي شهادة أبي محمد المجتبى(عليه السلام)، فدَعَت السياسة الرشيدة للإمام الحسن(عليه السلام) ومكانته المُتَنَامية في الأمّة معاوية إلى أن يشكّ في قدرته على مناوأته واستئثاره بقيادة الأمّة. ففشلت مساعي معاوية وخابت آمالُه فدبَّر حيلةً للفتك بحياة الإمام(عليه السلام) عن طريق دسّ السُّم اليه، فبعث معاوية إلى عاهل الروم يطلب منه سمّاً فتَّاكاً، فقال ملك الروم: إنّه لا يصلح لنا في ديننا أن نعين على قتال من لا يقاتلنا. فراسله معاوية يقول: إنّ هذا الرجل هو ابن الذي خرج بأرض تهامة -يعني رسول الله(صلى الله عليه وآله)- خرج يطلب ملك أبيك، وأنا أُريد أن أدسّ إليه السمَّ فأُرِيح منه العباد والبلاد. فبَعَث ملكُ الروم إلى معاوية سمّاً فتّاكاً، فَدَسَّه إلى الإمام(عليه السلام) عن طريق "جعدة بنت الأشعث بن قيس" الزوجة الخائنة، حيث اشترك أبوها في قتل أمير المؤمنين(عليه السلام) وأخوها في قتل الإمام الحسين(عليه السلام) فيما بعد، قال الشيخ المفيد(قدس سره): (وضمن لها أن يزوّجها بابنه يزيد، وأرسل إليها مائة ألف درهم، فسقته جعدة السمّ)، فسوّغها المال، ولم يزوّجها من يزيد.. وفي ذلك النهار حيث كان قد مضى أربعون يوماً أو ستّون على سقيه السُّم، أتمَّ(عليه السلام) وصاياه التي أوصى بها إلى أخيه الإمام الحسين(عليه السلام) حين علم باقتراب أجله. روى صاحب كفاية الأثر بسندٍ معتبر عن جنادة بن أبي أمية أنّه قال: دخلت على الحسن بن علي(عليه السلام) في مرضه الذي توفّي فيه وبين يديه طست يقذف فيه الدم ويخرج كبده قطعةً قطعةً من السمّ الذي أسقاه إيّاه معاويةُ لعنه الله. فقلت: يا مولاي ما لَكَ لا تعالج نفسك؟، فقال: يا عبد الله بماذا أُعالج الموت؟، قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم التفتّ اليّ وقال: والله لقد عهد إلينا رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّ هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد عليٍّ وفاطمة ما منّا إلّا مسمومٌ أو مقتول، ثم رفعتُ الطست واتّكأ(صلوات الله عليه). فكان(عليه السلام) يبتهل إلى الله تعالى قائلاً: (اللَّهُمَّ إنّي أحتسب عندك نفسي، فإنّها أعزُّ الأنفس عليَّ، لم أُصَب بمثلها، اللَّهُمَّ آنِسْ صرعتي، وآنس في القبر وحدتي، ولقد حاقت شربته -أي معاوية-، والله ما وفيَ بما وعد، ولا صَدَق فيما قال). وكان(عليه السلام) حين التحق بالرفيق الأعلى يتلو آياتٍ من الذكر الحيكم، وكانت شهادته(عليه السلام) في السابع من صفر سنة (50هـ) وفي رواية في الثامن والعشرين من صفر سنة (50هـ). قامت المدينة المنوّرة لِتُشيِّع جثمان ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) الذي لم يزل ساهراً على مصالحهم قائماً بها أبداً، وجاء موكب التشييع يحمل جثمانه الطاهر إلى الحرم النبوي ليدفنوه عند جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وليجدِّدوا العهد معه على ما كان قد أوصى به الإمام(عليه السلام). ولولا وصيةٌ من الإمام الحسن(عليه السلام) إلى أخيه الإمام الحسين(عليه السلام) أَلّا يُراق في تشييعه ملء محجمةٍ دمٌ، لَمَا ترك بنو هاشم لبني أمية في ذلك اليوم كِيَاناً، ولولا أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) نادى فيهم: (الله الله يا بني هاشم، لا تضيِّعوا وصية أخي، واعدلوا به إلى البقيع، فإنّه أقسم عليَّ إنْ أنا مُنعت من دفنه عند جدِّه إذن لا أُخاصم فيه أحداً، وأن أدفنه في البقيع مع أُمِّه). هذا وقبل أن يعدلوا بالجثمان، كانت سهام بني أمية قد تواترت على جثمان الإمام(عليه السلام)، وأخذ سبعون سهماً مأخذها منه. فراحوا إلى مقبرة البقيع، وقد اكتظَّت بالناس، فدفنوه فيها، حيث الآن يُزار مرقده الشريف(عليه السلام). وهكذا عاش السبط الأكبر لرسول الله(صلى الله عليه وآله) نقيّاً، طاهراً، مَقهوراً، مُهتَضَماً، ومضى شهيداً، مظلوماً، مُحتَسِباً. فَسَلام الله عليه ما بقي اللَّيل والنهار يومَ وُلد ويومَ استُشهِد ويومَ يُبعث حيّاً..

أحدث الاخبار

خدمة العتبتين المقدّستين يحيون ذكرى شهادة الإمام الباقر ومسلم بن عقيل (عليهما السلام)

خدمة العتبتين المقدّستين يحيون ذكرى شهادة الإمام ا...

أحيا خَدمَة العتبتَينِ المقدّستَينِ الحسينيّة والعبّاسية، ذكرى شهادة الإمام محمد الباقر ومسلم بن عقيل(عليهما السلام)، عَبرَ موكب عزاءٍ موحّد. وشهد الموكب حضور عضو مجلس إدارة العتبة...

شعبة التوجيه الديني النسوي تقيم مجلس عزاء بذكرى شهادة الإمام الباقر (عليه السلام)

شعبة التوجيه الديني النسوي تقيم مجلس عزاء بذكرى شه...

أقامت شعبة التوجيه الديني النسوي التابعة لمكتب المتولي الشرعي للشؤون النسوية في العتبة العباسية المقدسة مجلس عزاء بذكرى شهادة الإمام محمد الباقر (عليه السلام). وقالت مسؤولة وحدة ال...

العتبة العباسية المقدسة تقيم مجلس عزاء بمناسبة ذكرى شهادة الإمام الباقر (عليه السلام)

العتبة العباسية المقدسة تقيم مجلس عزاء بمناسبة ذكر...

أقامت العتبة العباسية المقدسة مجلس عزاء بذكرى شهادة الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في قاعة التشريفات. وقال المحاضر في المجلس الشيخ فيصل الكاظمي: إنّ "المجلس تضمّن ثلاثة محاور من...